أثر التضخم على التنمية الاقتصادية
مقدمة:
يعتبر التضخم من أكثر الظواهر الاقتصادية التي يتناولها الاقتصاديون في دراساتهم وأبحاثهم، ويرجع ذلك إلى ما تمتلكه هذه الظاهرة من تأثير كبير على اقتصاديات الدول، وعلى الاقتصاد الدولي بشكل عام، فنجد أن التضخم يؤثر على كافة المتغيرات والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، كالناتج المحلي والقومي ومعدل التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية، والميزان التجاري، وموازنة الدولة، وسوق الأوراق المالية، والاستثمارات الأجنبية وغيرها الكثير من الأثار التي تمس اقتصاديات الدول والشركات والأفراد ، لذلك فهو يحظى بقدر كبير من اهتمامات الباحثين الاقتصاديين.
مفهوم التضخم
وبسبب الاهتمام الواسع من قبل الباحثين وتناولهم لظاهرة التضخم نجد هناك العديد من التعريفات التي تصف هذه الظاهرة والتي تعبر عن وجه نظر الباحث الذي تناولها وطبيعة دراسته وتخصصه، وبشكل عام تتمحور جميع هذه التعريفات حول التعريف التالي “الارتفاع في المستوى العام للأسعار” ويرتكز التضخم وفق هذا التعريف على خصائص لابد من توافرها في التضخم وهي: أولا: أن يكون الارتفاع في أسعار جميع السلع والخدمات، فارتفاع سعر سلعة معينة لا يعتبر تضخم، حيث أن ارتفاع سعر سلعة معينة قد يقابله انخفاض في سلعة أخرى ويترتب عليه بقاء المستوى العام للأسعار ثابتاً، ثانيا: أن يكون الارتفاع في الأسعار مستمر، حيث لا تعتبر تضخم إذا ارتفعت سعر السلع لفترة زمنية قصيرة قد تكون ناتجة عن حرب أو ظروف اقتصادية، ويزول هذا الارتفاع في الأسعار بعد فترة قصيرة.
علاقة التضخم بالنمو الاقتصادي:
كما ذكرنا فإن التضخم يؤثر بشكل كبير على كافة المتغيرات والعوامل الاقتصادية وما يهمنا في هذه المقالة، هو أثر وعلاقة التضخم في التنمية الاقتصادية حيث اختلف الباحثون حول ما إذا كان للتضخم آثارا طيبة أم انه يعتبر عائقاً أمام عملية التنمية الاقتصادية، فهل يعتبر التضخم عائقاً أم محفزاً للتنمية الاقتصادية؟
يعتبر بعض الاقتصاديون أن التضخم يشكل حافزاً للتنمية الاقتصادية، وذلك أن التضخم يؤدي إلى انخفاض الاستهلاك وبالتالي زيادة المدخرات والتي يتم توجيهها فيما بعد إلى الاستثمار، بالإضافة إلى أن ارتفاع الأسعار وخاصة الناتجة عن زيادة حجم الطلب عن المعروض من السلع والخدمات، تشجع المستثمرين على زيادة الإنتاج، وبالتالي تحريك عجلة النمو الاقتصادي.
وفي المقابل هناك من رفض هذه الفكرة، ويعتبرون أن التضخم يشكل عائقا للنمو الاقتصادي، حيث أن ارتفاع الأسعار يؤدي إلى تدهور قيمة النقود وبالتالي القضاء على القيمة الادخارية لها، مما يؤدي إلى فقدان الثقة بالعملة المحلية، وهروب المستثمرين وحدوث مشاكل اقتصادية كبيرة.
وللخروج بنتيجة مفيدة من هذا النقاش والإجابة على ما إذا كان التضخم يشكل عائقا أم يعتبر محفزا للتنمية الاقتصادية يتوجب الرجوع إلى أنواع التضخم وهي كما يلي:
التضخم الجامح: وهو ارتفاع الأسعار بمعدل كبير جدا، وتتناقص فيه قوة العملة إلى درجة تصبح فيها زهيدة وذات قيمة تافهة، ولا تستطيع الحكومات المحلية السيطرة على هذا النوع بسهولة، لذلك يعتبر هذا النوع من التضخم مشكلة كبيرة أمام حركة التنمية الاقتصادية حيث يؤدي إلى هروب المستثمرين وفقدان الثقة بالعملة المحلية، وتدهور أسعار الصرف وزيادة العجز في الميزان التجاري وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي.
التضخم الزاحف: وهو الارتفاع في مستويات الأسعار ولكن بمستوى أقل مقارنة بالتضخم الجامع، وبالتالي تكون أثاره اقل خطورة على الاقتصاد الوطني، ويعتبر التضخم ومعدله يتراوح ما بين 3-5%، وهذا النوع من التضخم غالباً ما يكون ناتجاً عن الزيادة الطبيعية في عدد السكان والتي أدت إلى زيادة حجم الطلب على السلع وبالتالي ارتفاع أسعارها، لذلك يعتبر هذا النوع مفيدا للتنمية الاقتصادية حيث يعتبر التضخم هنا مؤشر على انخفاض المعروض من المنتجات والخدمات في قطاع معين وبالتالي يقوم المستثمرين بتوجيه استثماراتهم في زيادة إنتاج تلك السلع والخدمات وهو ما يؤدي إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.